قد تكون بعض شخصيات قوى "8 آذار" هللت لنتائج انتخابات طرابلس البلدية، ربما اعتقد هؤلاء أن خسارة رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري تصبّ في اطار احتضار قوى "14 آذار".
بعضهم ذهب الى حد القراءة في أبعاد الخطوة طرابلسياً ولبنانياً، وربما احتساب الأرقام في خانة الصراع الداخلي "المستقبلي" لتوظيفه لاحقاً في حسابات القدرة التمثيلية للحريري حكومياً ونيابياً. مع مرور الوقت استفاق هؤلاء على تصريحات ريفي وحراكه باتجاه القيادات الروحية وحديثه عن توجه لتأليف حركة سياسية، رفعت سقف الخطاب قبل الاعلان عنها.
ربط المتابعون بين "جرأة" ريفي ودعم خارجي سعودي (ولي العهد محمد بن نايف) أو قطري بمباركة رئيس حزب القوات سمير جعجع.
هذا ما رُصد في مؤشرات الساعات الماضية. لكن ما هو المطلوب من ريفي؟ هل مواجهة الحالة الحريرية التي صنّفت نفسها الى جانب خيار ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان؟ أم هي خطوة داخلية لإجهاض ترشيح رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون ورئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية معاً؟
بطبيعة الحال يستفيد جعجع من إسقاط الاثنين، رغم ترشيحه عون. رئيس "القوات" كسب ود العونيين وكفى. سيسجل التاريخ أنه رشح "الجنرال" ونظم ورقة النوايا بين "التيار" و"القوات"، سيستفيد جعجع من أصوات العونيين في أي انتخابات مقبلة. سيطالبهم برد الوفاء ترشيحاً أو اقتراعاً للرئاسة الأولى في حال سدت الأبواب في وجه عون.
في كل الاتجاهات يحصد رئيس "القوات" ربحاً معنوياً وسياسياً ملموساً الآن وغداً بعد "لقاء معراب". يحق لجعجع أن يفكر ايضاً بوراثة "عونيين". على الأقل ضمن الى جانبه أمين سر تكتل التغيير والاصلاح النائب ابراهيم كنعان.
هنا تكتسب حركة ريفي بُعداً داخلياً يوظفها جعجع لمقارعة الحريري أولاً، وضرب الترشيحات القائمة للرئاسة ثانياً، وإشغال قوى "8 آذار" مجدداً بعد مهادنة تيار "المستقبل" الذي مضى بالحوار مع "حزب الله".
فهل تنبهت قوى "8 آذار" لأبعاد كلام وحراك ريفي؟
في القراءة الأولى يجب على تلك القوى الإعتراف بالفشل السياسي بعد رفضها حسم الرئاسة بانتخاب فرنجية الذي حاز على تبني "المستقبل" وقوى في "14 آذار".
هي ضيعت فرصة تاريخية لن تتكرر، ورهنت حساباتها الداخلية للمجريات الخارجية التي لن تكون بأحسن الأحوال لصالح مرشح من قبلها، بل سيكون الرئيس العتيد "وسطياً" نتيجة تفاوض دولي – اقليمي – داخلي.
في البُعد الخارجي، فإن دخول ريفي على خط الجبهات السعودية، سيزيد من حدة خطابه الداخلي وطرح نفسه زعيماً سياسياً موازياً أو بديلاً للحريري.
تلك الخطوة ستُربك قوى "8 آذار" التي تفضّل الحوار مع الحريري المعتدل. هي تخشى أن يلجأ رئيس "المستقبل" لإعادة رفع مستوى خطابه لمنع ريفي من التفرد في شد العصب وجذب الجمهور بدليل ما جرى في قضية ميشال سماحة.
مصلحة "8 آذار" و"14 آذار" في ظل المتغيرات الاقليمية والدولية الحفاظ على "الحريرية السياسية" لأن البديل عند ريفي سيجر تداعيات قاسية، على الأقل في التوتر السياسي الداخلي وقطع خيوط التواصل القائم.
فهل تستطيع تلك القوى التقاط الفرصة بحسم تبني أحد الترشيحين إما عون أو فرنجية؟
هنا المدخل، هذا ما يبدو مستحيلاً حتى الساعة.